محمد أمين

تواجه المعارضة السورية، الممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات، ضغوطاً إقليمية ودولية من أجل التخلي عن ثوابت الثورة السورية، والرضوخ للمشيئة الروسية التي تهدف إلى إعادة إنتاج نظام بشار الأسد تحت ذريعة محاربة الإرهاب في المنطقة. وقبل أيام من اجتماع أستانة السوري، المقرر في 14 و15 أيلول الحالي، ومن اجتماع الرياض الخاص بالمعارضة السورية المنوي عقده في تشرين الأول المقبل، بدأ الروس تحركاً من أجل تسويق رؤيتهم في عواصم فاعلة في الملف السوري، أبرزها الرياض وعمّان، والضغط أكثر على «الهيئة» من أجل ضم منصة تدعمها موسكو، تزعم أنها تنتمي إلى المعارضة، لكنها لا تدعو إلى استبعاد الأسد عن السلطة، وتطالب ببقاء دستور وضعه الأخير في العام 2012. وتعتبر الهيئة العليا للمفاوضات هذا الأمر مساساً مباشراً بمبادئ الثورة، ومحاولة للعودة بالأوضاع في سورية إلى ما قبل 2011، عام انطلاق الثورة السورية المطالبة بتغيير عميق في بنية النظام.
ومن الواضح أن التحرك الروسي، وتحديداً باتجاه السعودية، التي زارها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يهدف إلى دفع الرياض للضغط أكثر على الهيئة العليا للمفاوضات من أجل ضم منصة «موسكو» المحسوبة على المعارضة إلى وفد الهيئة المفاوض في جنيف، في محاولة روسية واضحة لاختراق «الهيئة» من داخلها من أجل تثبيت رؤية موسكو للحل السياسي. وانعكس التوجه الروسي في التصريحات التي أدلى بها لافروف من العاصمة الأردنية عمان، يوم الاثنين، إذ قال في مؤتمر صحافي مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، إن السعودية جادة بالفعل في تسوية الأزمة السورية، مضيفاً أن الرياض دعمت عملية المفاوضات السورية في أستانة. وقال: «نعتقد بأن السعودية تسعى إلى تسوية الأزمة السورية، وقد تأكد ذلك في بداية عملية أستانة، عندما قامت روسيا وتركيا وإيران باستحداث هذه العملية. 
وكان لافروف أشار، من جدة منذ أيام، أن روسيا تدعم جهود السعودية لتوحيد المعارضة السورية في وفد موحد، موضحاً أن هذه الجهود تساهم في تقدم المفاوضات في جنيف. يذكر أن الهيئة العليا للمفاوضات بذلت جهوداً من أجل ضم منصتي موسكو والقاهرة إلى وفدها التفاوضي، لكن هذه الجهود لم تثمر بسبب تمترس منصة موسكو خصوصاً خلف الرؤية الروسية، وهو ما أفشل مفاوضات جرت الشهر الماضي في الرياض بين الهيئة والمنصتين. وتشير مصادر مطلعة إلى أن هناك محاولات تبذل من قبل عدة أطراف من أجل «تقليم أظافر المعارضة» في اجتماعات الرياض المتوقعة في أكتوبر المقبل، بحيث يتم تقديم شخصيات «مرنة» تقبل بحل سياسي يُبقي الأسد في السلطة، تحت لافتة «الواقعية السياسية»، والتي تدفع باتجاه تثبيت النظام في دمشق على أساس التشاركية في السلطة مع المعارضة.
وفي ظل هذه التحولات، شرعت المعارضة السورية في عقد اجتماعات، غايتها دراسة المعطيات السياسية المستجدة، وسط تأكيدات أنها لن تنصاع للضغوط، كما لن تتخلى عن مبادئ الثورة تحت ذريعة «الواقعية السياسية» التي تستهدف جر المعارضة إلى توقيع وثائق استسلام للنظام وحلفائه. وضمن هذا السياق، اختتم الائتلاف الوطني السوري، أعمال دورته الخامسة والثلاثين، التي بدأت في مدينة إسطنبول التركية السبت الماضي. وأشار عضو الهيئة السياسية في الائتلاف، عقاب يحيى، إلى أن برنامج الاجتماعات «كان زاخراً بالعديد من القضايا المهمة»، مشيراً إلى أنها «شهدت نقاشات تصب في اتجاه إصلاح الائتلاف ورفده بأعضاء جدد، وتبيان موقف الائتلاف من العديد من المسائل التي تخص العملية السياسية». وكشف أن «الائتلاف وافق على ضم 15 عضواً جديداً يمثلون الفصائل العسكرية»، مشيراً إلى أن الائتلاف وافق أيضاً على اختيار عشر شخصيات يمثلون الأقليات والمرأة، إضافة إلى حث المجالس المحلية المنتخبة على اختيار ممثليها في الائتلاف. وأكد أن المجتمعين رحبوا بانعقاد مؤتمر موسع للمعارضة في الرياض في تشرين الأول المقبل لإعادة هيكلة الهيئة العليا للمفاوضات، التي يعد الائتلاف أهم ركائزها، وتوسيع قاعدة التمثيل فيها، شرط المحافظة على أساسيات بيان «الرياض 1» الصادر أواخر عام 2015.
وجاءت اجتماعات الائتلاف الوطني السوري في خضم حراك روسي في الشرق الأوسط يقوده لافروف من أجل تسويق وجهة النظر الروسية القائمة على إعادة إنتاج نظام الأسد تحت ذريعة محاربة الإرهاب في المنطقة. ولا تخفي المعارضة السورية مخاوف من ضغوط إقليمية ودولية عليها من أجل حرف مسارها السياسي، والموافقة على حل يبقي بشار الأسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية، مع إمكانية دخوله أي انتخابات تعقب هذه المرحلة. ورشحت معلومات أن المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، يقود التيار الرافض لأي تنازلات على هذا الصعيد، وهو لمّح إلى أن الهيئة تتعرض لضغوط، معتبراً أن «الواقعية تكمن في توحيد الجهود والالتفاف حول مطالب الثورة، وليس في محاولة استرضاء المزاج الدولي المتقلب». ويرفع هذا التيار العديد من «اللاءات»، أبرزها «لا دور للأسد في راهن ومستقبل سورية»، و«لا للاحتلالين الروسي والإيراني لسورية»، و«لا تقسيم للبلاد تحت أي ذريعة».}