حازم عياد

 التكهنات والتوجسات المتفشية في الساحة الفلسطينية والعربية تجاه تعامل الإدارة الأمريكية مع الملف الفلسطيني تترافق مع تزايد حالة انعدام اليقين إقليمياً ودولياً؛ فالكل بانتظار الرصاصة الأولى التي ستحدد معالم المواجهة المقبلة في الإقليم والعالم؛ ما يجعل من لقاء الرئيس عباس بالرئيس الامريكي ترامب مسألة بالغة الحساسية والتأثير.
فالولايات المتحدة تملك القدرة على اطلاق الرصاصة الأولى، ولكن من الصعب ان تحصر الجبهات المشتعلة بسهولة؛ فالكل يسعى للاستثمار في اللحظة الحاسمة، والكل يتمنى ألا تكون الطلقة الأولى في جبهته؛ مايبقي الباب مفتوحاً لإمكانية الا تندفع الولايات المتحدة في سياساتها المترافقه مع تأزم كافة الجبهات واحتمال انفجارها دفعة واحدة والقضية الفلسطينية إحداها؛ ما يطرح تساؤلاً مهماً يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، يتعلق بمسار هذه السياسة وتوجهاتها؛ فهل تدفع نحو الانفجار والتازيم ام الاحتواء والتهدئة؟
 أبرز هذه الحقائق تتمثل بتأزم الوضع في شبه الجزيرة الكورية؛ وحالة التأهب على خلفية الغارات الأمريكية في الشعيرات؛ والحشود الأمريكية المتصاعدة في المنطقة؛ والغارات التي يشنها الكيان الإسرائيلي في سوريا إلى جانب التوتر المتصاعد مع إيران؛ مسألة تزيد الواقع الإقليمي والدولي غموضاً؛ خصوصاً أن آلية احتواء الصراع العربي الصهيوني وتحييده مرحلياً استعداداً لأي مواجهة إقليمية ودولية تتم بآليات ومقولات تزيده تأزماً على عكس المراد.
اذ لا يتوقع ان تقدّم الإدارة الأمريكية الجديدة شيئاً في ملف القضية الفلسطينية؛ فجل تركيزها ينصب على الوفاء بوعود ترامب الانتخابية، وخوض المواجهة في شبه الجزيرة الكورية واستعادة التوازن مع روسيا؛ في حين أن جل اهتمام الرئيس عباس منصب على معركته التي يخوضها على قطاع غزة؛ ما يعني ان اللقاء لايحتوي أي بند مشترك سوى المتعلق بحصار غزة وزيادة معاناته بكافة الوسائل والأدوات الممكنة، مضيفاً بؤرة تأزيم جديدة في الإقليم والنظام الدولي؛ مهيأة للانفجار كما غيرها من البؤر الساخنة.
اللقاء بين ترامب وعباس يمكن ان يشكل فارقة مهمة في تاريخ السلطة الفلسطينية في رام الله ومستقبلها؛ اذ تذهب التكهنات الى ان هناك محاولة لتجديد مكانة السلطة ودورها ليتجاوز التنسيق الامني المحصور في الضفة الغربية نحو مهمات جديدة تبرّر وجودها من وجهة نظر الإدارة الامريكية والكيان الصهيوني؛ ومن الممكن ان تتحول اللقاءات الى بداية لنوع جديد من العلاقة بين السلطة والشعب الفلسطيني ايضاً، لتزيد الوضع الإقليمي تأزماً وترفع مع احتمالات انفجار الصراع مع الكيان الصهيوني.
قدرة الإدارة الأمريكية على ضبط المشهد تكاد تكون شبه مستحيلة والتركيز على جبهة واحدة بات مستحيلاً وفلسطين احداها؛ فما تظنه الولايات المتحدة احتواء وسيطرة في فلسطين يتحول شيئاً فشيئاً الى واقع متأزم ومتفجر لا يقل سخونة أو خطورة عن الجبهات التي تتعامل معها الولايات المتحدة في العالم؛ فالجهود الأمريكية المبذولة على الجبهة الفلسطينية تعطي أثراً عكسياً متراكماً وخطراً على عكس المراد والمرغوب امريكياً.
وفي ضوء هذا الواقع المأزوم، وتلك السياقات الخطرة، فإن اللقاء بين الرئيس محمود عباس والرئيس الأمريكي في واشنطن لا يقل خطورة من حيث الأثر على القضية الفلسطينية ومستقبل الصراع واتجاهات المواجهة فيه؛ إذ لا يعلم أحد بعد مخرجاته المتوقعة وتأثيراته وتداعياته على مجمل القضية الفلسطينية والمنطقة؛ كما لا يعلم كيف سيتعامل الرئيس عباس مع الإدارة الامريكية إذا قررت نقل السفارة الامريكية الى القدس وأعلن ذلك في حضوره؛ وهل بإمكان الرئيس عباس ان يضع حداً لبناء المستوطنات أو تشديد الحصار على قطاع غزة؛ وكيف سيتعامل مع اضراب الأسرى، وماذا سيعرض على طاولة ترامب؛ والأهم كيف ستتفاعل الأراضي المحتلة والشعب الفلسطيني مع هذا الحدث.
الأيام المقبلة ستكشف عن طبيعة الدور الجديد المناط بالسلطة في رام الله، كذلك ستحدّد شكل الصراع المقبل في الاراضي الفلسطينية؛ والتكهنات حول ما بعد الزيارة سيكون لها تأثير واضح في علاقة السلطة بكافة الفصائل الفلسطينية؛ ما يعني ان المرحلة المقبلة ستكون بداية ومرحلة جديدة من مراحل تطور السلطة في اطار مشروع دايتون القديم الجديد، وهي وصفة امريكية خطرة لمرحلة حساسة وخطرة يعيشها الاقليم والنظام الدولي.
مهمة محمود عباس في واشنطن باتت خطرة، والمؤشرات المتعلقة بها سلبية الى حد كبير، تتجنب التنسيق السياسي الداخلي والوطني؛ فالساحة الفلسطينية تمرّ بمرحلة حرجة في ظل إضراب الأسرى والأوضاع الإنسانية المتدهورة في قطاع غزة؛ ما ينبئ بانفجار وتدهور جديد في الضفة الغربية والقطاع تتجاوز مشاريع السلطة وانشغالاتها، كذلك تتجاوز قدرة الولايات المتحدة والقوى الإقليمية على احتوائها بأدوات تقليدية وقديمة لا تتناسب والظرف الدولي والإقليمي.}