العدد 1390 / 11-12-2019

للاستاذ منير شفيق

إدارة دونالد ترامب ما زالت تمعن في تحدي القانون الدولي في كل ما يتعلق بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، ابتداء من إعلان القدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني، ومروراً بنقل السفارة الأمريكية إليها، والعمل على تصفية وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، وأخيراً وليس آخراً شرعنة الاستيطان في الضفة الغربية. وبالتأكيد الحبل على الجرار، وصولاً إلى دعم تهجير ما تبقى من شعب فلسطين من أرض فلسطين ليتحقق المشروع الصهيوني، ويصل غايته الأعلى.

صحيح أن هذه القرارات والخطوات تعبر عن السياسة الأمريكية ولم تجد تجاوباً، بل وجدت عزلة من الغالبية الساحقة من دول العالم، ومن هيئة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي خصوصاً، وهذه العزلة، بلا شك، مهمة من ناحية سياسية ومعنوية، ورأي عام عالمي، ولكنها تبقى في إطار أضعف الإيمان في الرد على فداحة هذه السياسة وخطورتها راهناً ومستقبلاً..

وصحيح أن موقف القيادة الفلسطينية المتمثلة بمحمود عباس استنكرت سياسات دونالد ترامب الخاصة بالقدس، وصولاً إلى تصريح وزير الخارجية مارك بومبيو الذي شرعن الاستيطان في الضفة الغربية، وصحيح أنها قطعت العلاقات الديبلوماسية مع الإدارة الأمريكية بسببها أيضاً، الأمر الذي يجب اعتبار الاستنكار وقطع العلاقات الديبلوماسية (بمعنى قطع اللقاءات والحوار) موقفين مهمين بلا شك أيضاً، ولكنهما لا يرقيان إلى مستوى ما يتوجب من رد على خطورة السياسات الأمريكية المعنية.

هذه العزلة، بلا شك، مهمة من ناحية سياسية ومعنوية، ورأي عام عالمي، ولكنها تبقى في إطار أضعف الإيمان في الرد على فداحة هذه السياسة وخطورتها راهناً ومستقبلاً

والدليل يتمثل في إمعان إدارة ترامب باتخاذ المزيد من تلك السياسات منذ الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني، أيضاً استمرار عدد من الدول العربية في اتخاذ خطوات تطبيعية مع الكيان الصهيوني من جهة، واكتقاء دول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى برفض تلك السياسة، أو عدم الموافقة عليها، فيما مضت إدارة ترامب في نهجها خطوة بعد خطوة حتى وصل التمادي إلى شرعنة الاستيطان، من جهة أخرى، الأمر الذي يدل على أن الرد الرسمي الفلسطيني لا يرقى إلى المستوى المطلوب بأن يرد به على سياسات ترامب ويحبطها.

ولكن السؤال هل يمكن للقيادة الفلسطينية ولمحمود عباس بالذات أن يفعلا أكثر مما فعلا في مواجهة هذا التحدي الخطير؟

الجواب، وبيقين: نعم من الممكن. كيف؟

بإطلاق انتفاضة شعبية شاملة في القدس والضفة الغربية، تضع الشعب كله في مواجهة متواصلة طويلة الأمد، مع الاحتلال وضد الاستيطان، الأمر الذي يحشر الحكومة الصهيونية والإدارة الأمريكية في الزاوية، ولا يسمح بتمرير تلك القرارات والخطوات من جهة، بل يذهب إلى دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات واستنقاذ القدس والمسجد الأقصى، وبلا قيد أو شرط، من جهة ثانية.

قد ينبري من يرد هنا قائلا: لماذا يكون الرد ومسؤوليته على الرئيس محمود عباس وحده؟ أين دور الفصائل الأخرى. وأين دور قطاع غزة وبقية الشعب الفلسطيني؟

بالتأكيد إنها مسؤولية مشتركة وبالقدر نفسه من حيث المبدأ بالنسبة إلى الجميع، ولكن تحميل محمود عباس المسؤولية الأولى هنا ليس بسبب موقعه في السلطة، وإنما بسبب قيادته لحركة فتح وتكبيلها وعدم قناعته باستراتيجية الانتفاضة الشعبية الشاملة، بل بسبب مناهضته ومنعه أن تبادر الفصائل الأخرى لإطلاق الانتفاضة. فالرئيس محمود عباس وضع الجميع، عملياً، أمام الصدام في الضفة الغربية معه، ومع فتح، في الوقت الذي هنالك الاحتلال والاستيطان والعدو الصهيوني، مما يعني أن نقطة "قوة" محمود عباس في الحيلولة دون إطلاق انتفاضة شعبية شاملة من قِبل الشعب والفصائل، تأتي من تحكمه في حركة فتح، فضلاً عن الأجهزة الأمنية. وفي المقابل، الحرص، وبحق، من جانب الفصائل على تجنب الصدام في معركة داخلية، وذلك لإبقاء التركيز كل التركيز على الاحتلال والاستيطان والعدو الصهيوني والسياسات الأمريكية.

من هنا لا بد من أن توحّد فصائل المقاومة كلمتها للارتفاع بمستوى ردها على السياسات الأمريكية التي تنتهك الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وتستهتر بالقانون الدولي وحتى بالإرادة الدولية العامة، فضلاً عن الرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي.

توحيد كلمة الفصائل الفلسطينية، إن اكتفى بالاستنكار للسياسة الأمريكية والدعوة لإحباطها، لن يكون كافياً أبداً، وعليه ان يتجه إلى الضغط على محمود عباس ليرفع سطوته عن حركة فتح، ويطلقها لتشارك في انتفاضة شاملة مع الشعب وكل الفصائل، علماً أن غالبية حركة فتح تريد أن يرتفع الرد على السياسات الأمريكية والصهيونية على أرض فلسطين إلى المستوى الذي يحبطها فعلاً، وإحباطها لا يكون إلاّ بجعل الأرض تميد تحت الاحتلال والاستيطان في القدس والضفة الغربية، وذلك من خلال الإرادة الشعبية الفلسطينية الموحدة في الشوارع وفي المواجهة، وبالنفس الطويل، فيما تتحرك القوى الشعبية الفلسطينية الأخرى، والعربية والإسلامية والعالمية لدعم الانتفاضة الشعبية التي لا تتوقف حتى دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات بلا قيد أو شرط.

هكذا يكون الرد المناسب على سياسات ترامب ونتنياهو. وهذا الرد مرشح للانتصار، فموازين القوى في غير مصلحة ترامب ونتنياهو لا داخلياً عندهما، ولا فلسطينياً ولا إقليمياً ولا عالمياً، أما المثبطون من المطبعين فالخزي والعار بانتظارهم.