حسين عبد العزيز

شكلت الضربة العسكرية الأميركية لمطار الشعيرات تطوراً مهماً على صعيد تعاطي واشنطن مع الأزمة السورية. وبدأت الأسئلة تنهال حول المدى الذي يمكن أن يبلغه التدخل الأميركي في سوريا، وهل شكلت هذه الضربة انعطافة في السياسة الأميركية؟ أم أن ما جرى لا يخرج عن حدود إدارة الأزمة ووضع قواعد جديدة؟
أسباب الضربة
من الصعوبة بمكان تحديد سبب واحد وراء السرعة الأميركية في توجيه ضربة عسكرية داخل سوريا، ومن الصعوبة بمكان أيضاً الاعتقاد بأن الصور المروّعة الآتية من خان شيخون كانت وراء هذه الضربة.
ولفهم حقيقة الموقف الأميركي ينبغي طرح السؤال بطريقة معاكسة، ماذا يمكن أن يحدث لو أن الولايات المتحدة تقاعست في الرد على الهجوم الكيميائي؟
الإجابة بسيطة، وهي مزيد من الفوضى على المسرح العالمي، حيث ستظهر واشنطن ضعيفة جداً وغير قادرة على اتخاذ المبادرة، الأمر الذي سيفتح المجال لقوى إقليمية في مناطقها -وتحديداً روسيا- للانخراط في مشاريعها الخاصة، دون الاهتمام بالموقف الأميركي، وهذا ما لا يمكن أن تقبل به إدارة دونالد ترامب.
ومن هنا يمكن فهم السرعة الأميركية في الرد دون انتظار لجنة تحقيق دولية -أو حتى تقارير محايدة- تحدد بالضبط الجهة التي نفذت العملية، وإن كانت معظم المؤشرات تؤكد أن النظام السوري وراء الهجوم.
لقد أرادت واشنطن من الضربة العسكرية تحقيق أهداف عدة، بعضها داخلي وبعضها الآخر خارجي يتجاوز الهدف المباشر المتمثل في معاقبة النظام السوري على استخدامه الكيميائي وإخلاله باتفاقية عام 2013، ومن تلك الأهداف:
1- إظهار الصلابة والحزم الأميركي ضد أية محاولة لاختراق التفاهمات الدولية التي تم التوافق عليها.
2- استعادة الدور الأميركي الريادي على مستوى العالم، وإعلان أن مرحلة «القيادة من الخلف» التي اتبعتها إدارة باراك أوباما قد انتهت.
3- إيصال رسالة إلى روسيا مفادها أن اندفاعتها في أوكرانيا وسوريا ليست ناجمة عن قوة روسية فائضة ،بقدر ما هي ناجمة عن انكفاءة أميركية عبرت عنها إدارة أوباما، وبالتالي فإن واشنطن لن تسمح لروسيا بالاندفاع كثيراً على الساحة الدولية.
4- إفهام المجتمع الدولي -وخصوصاً الروس- أن الولايات المتحدة قادرة على التحرك بشكل منفرد، وأن سياسة أوباما القائمة على الإجماع الدولي لن تكون سياسة أميركية ثابتة بدءاً من الآن.
وهذا هو السبب في أن واشنطن لم تنتظر نتائج مداولات مجلس الأمن، ولا عادت إلى القرار الدولي 2118 بما يمنحها شرعية التحرك، خصوصاً الفقرة 21 التي تتيح «في حالة عدم الامتثال لهذا القرار، أن يفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة».
5- إيصال رسائل ترهيب إلى أطراف أخرى مثل إيران وكوريا الشمالية، من أن ما جرى في سوريا قد يمتد إليها.
6- وأخيراً، تفتح الضربة العسكرية عودة الولايات المتحدة إلى الساحة السورية بعد أن كانت طرفاً ثانوياً في المشهدين الميداني والسياسي.
ويُعتقد أن العودة الأميركية إلى الواقع السوري ستتجاوز مسألة الكيميائي إلى تفاصيل أخرى مرتبطة بسير المعارك على الأرض، التي تتخطى مسألة محاربة المنظمات الإرهابية.
غموض سياسي
ربما تكون التداعيات أو مترتبات «اليوم التالي» الذي يلي الضربة العسكرية أهم بكثير من الضربة ذاتها، بمعنى هل سينتهي أثر الضربة بحدودها الجغرافية أم إن الولايات المتحدة ستحافظ على زخم الضربة لاستثماره على المستوى السياسي في الأزمة السورية؟
«رغم ارتفاع منسوب الخطاب الأميركي تجاه الأسد، فإن السياسة الأميركية لا تزال غامضة، ولا يعتقد أن تُقدم واشنطن على اتخاذ خطوات درامية حيال إسقاط النظام، وأغلب الظن أن إدارة ترامب ستعتمد سياسة خطوة.. خطوة، وتهيئة الشروط الكفيلة بإجراء التغيير السياسي المنتظر».
من الصعب الإجابة عن هذا السؤال في الوقت الحالي، فما هو واضح أن الضربة العسكرية تأتي في إطار «إدارة الأزمة» لا في إطار «حل الأزمة»، وتصريحات المسؤولين الأميركيين المتباينة توضح ذلك.
فعلى مدى اليومين اللذين أعقبا الضربة العسكرية؛ كانت تصريحات المسؤولين الأميركيين متباينة جداً، فبينما كانت تصريحات المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نِكي هيلي ذات سقف سياسي عالٍ بقولها إنه «لا سلام مع بشار الأسد، والتوصل إلى مخرج سياسي متعذر بوجوده»، وإن «تغيير النظام في سوريا من أولويات إدارة الرئيس دونالد ترامب»، كانت تصريحات وزير الخارجية ريكس تيلرسون ومستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي هاربرت ماكمستر أقل حدة، حيث ركزا على أولوية محاربة «تنظيم الدولة».
لكن بعد ذلك بيومين، بدأ الخطاب السياسي للمسؤولين الأميركيين يتخذ صبغة التماسك والتماهي، فقد أعلن تيلرسون أنه «يجب تمكين الشعب السوري من اتخاذ القرار حول الأسد، وتثبيت الاستقرار للانتقال إلى الحل السياسي».
سيناريوات مفتوحة
من الواضح أن روسيا وإيران لن تستسلما بسهولة، وستعملان على تمتين تحالفهما واستخدام لعبة تبادل الأدوار لمواجهة الهجمة الأميركية. وهنا ستجد واشنطن نفسها في مأزق إن لم تقدم على اتخاذ خطوات عملية في سوريا للمحافظة على الزخم العسكري والسياسي الجديدين، ومن الخيارات التي يمكن أن تتخذها:
«روسيا وإيران لن تستسلما بسهولة، وستعملان على تمتين تحالفهما واستخدام لعبة تبادل الأدوار لمواجهة الهجمة الأميركية. وهنا ستجد واشنطن نفسها في مأزق إن لم تقدم على اتخاذ خطوات عملية في سوريا للمحافظة على الزخم العسكري والسياسي الجديدين».
وفي حال نجحت عملية توحيد فصائل المعارضة السورية، فسينشأ واقع جديد لم تعرفه السنوات الماضية، حيث سيتشكل لأول مرة ما يمكن تسميته كتلة عسكرية معارضة ووطنية تكون قادرة على إحداث الفرق.}