يتميز الشعب الفلسطيني بجهاده وصموده في وجه الاحتلال الصهيوني، فعلى الرغم من سياسة القتل والاعتقال، لا يزال صامداً، وواجه المؤامرات بشجاعة كبيرة، وقدّم آلاف الشهداء والجرحى، وما زال يقدم في هذه الطريق خيرة أبنائه، ما جعل دولة الاحتلال والمخابرات الحليفة لها تدفع باتجاه الانحراف الفكري الذي لا يقل خطراً عن الخيانة العظمى والتخابر مع جهات معادية، ما يؤكد لنا أن الانحراف الفكري لا يخدم سوى دولة الاحتلال التي توجه المنحرفين فكرياً للإضرار بوطننا وتستغل ذلك بالترويج ضد شعبنا.
الانحراف الفكري دخيل على مجتمعنا الفلسطيني الذي يتميز بالتسامح والاعتدال والفكر الوسطي، لعل أولى بوادره تظهر في تبني المتطرّفين والمتشدّدين اتجاهات عدائية وسلبية ضد المجتمع، فنجد أن هؤلاء المنحرفين فكرياً مجموعة من الجهلاء بالإسلام وأحكامه، يأخذون آراءهم من بعض الرموز الفكرية المتشدّدة والمتطرفة، ويعتبرون أن ما يقوله هذا الرجل كلاماً مقدساً غير قابل للنقاش، ويستعينون في ذلك بتشويه الحقائق بمعان مضللة، وتبرير غاياتهم بما يخدم مصالحهم ورؤيتهم الخاصة.
ويلجأ المنحرفون فكرياً الى تبسيط الأمور العظيمة، كحرمة الدماء والتكفير، ويميلون إلى الخلافات والصراعات والقتل والتناحر. يترعرع أصحاب الفكر المنحرف، ويتعاظم وجودهم في هذه البيئة المعقدة، نجدهم متناقضين في أفعالهم وأقوالهم وسلوكهم، فظاهرياً يدعون إلى تطبيق الشريعة والحدود، وكأن الحدود فقط هي كل الدين. وفي الواقع، نجدهم ينتهكون المحارم، ويستحلونها في انجرافٍ واضح وراء آرائهم الشخصية، من غير الالتزام بالقواعد الشرعية أو عادات المجتمع وتقاليده، وما شاهدناه في سورية من جرائم ومجازر افتعلها هؤلاء دليل على بربريّتهم.
الغلوّ والتطرّف والتشدد تؤدي إلى الانحراف الفكري، من خلال عدم الاعتراف بالرأي الآخر، واتهام المخالف لرؤيتهم بالابتداع والخروج عن الدين، ما يرجع إلى سوء التربية والتنشئة الخاطئة، أضف إلى ذلك حالة اليأس والإحباط والتشاؤم والإعجاب بالرأي الذي يتميّز به هؤلاء المتشددون.
الانحراف الفكري في قطاع غزة جديد على شعبنا من أهل المقاومة والجهاد ضد الاحتلال، فنجد المتتبع لمرجعية هؤلاء المنحرفين فكرياً أنهم مجموعة قليلة من الأفراد، بعيدون عن التفكير العقلاني، ويسارعون إلى تقليد الجماعات المنحرفة فكرياً، فيعملون خدماً للمصالح المعادية لدينهم ووطنهم من حيث لا يدرون، لأنهم بانحرافهم عن الصورة الجميلة للإسلام الوسطي المعتدل يشوّهون استقرار المجتمع وأمنه.
وتحاول أجهزة المخابرات الغربية المعادية للإسلام إغواء الشباب المنحرفين فكرياً، لتطبيق أجندتها الخبيثة في بلادنا، وهي ما يطلق عليه محللون اسم الجيل الرابع من الحروب، وأبرز معالمها أن يجعل شباب المجتمع يدمرون بلادهم بأنفسهم، ويؤخرون تقدمها، إن لم يهدموا أركانها، تعمل أجهزة المخابرات المعادية على اصطياد هؤلاء الأشخاص عن طريق كوادر مخابراتية مدربة، ومؤهلة للتعامل مع هؤلاء المنحرفين فكرياً، وغسل عقولهم وزراعة الأفكار التخريبية داخلها.
صدمنا قبل أيام بتفجير أحد المنحرفين فكرياً نفسه بأفراد من المقاومة، واستشهاد أحد المجاهدين من مدينة رفح، في جريمة تؤكد سيادة العنف، ورغبة أصحاب الفكر المنحرف بإشاعة واثارة الاضطرابات، والحقيقة أن ازهاق الأرواح لدى الجماعات المتشددة والمنحرفة فكرياً عن الفكر الوسطي والفهم الاسلامي الصحيح ترتب عليه فساد وصراع أدى إلى خسارة للمجتمع وخدمة لأعداء الأمة.
الحقيقة أن الانحراف الفكري انتحار والقاء للنفس للتهلكة دون منفعة للأمة، فهو فهم خاطئ للدين، وقلب للنصوص، وتجرّؤ على التحليل والتحريم، خلافاً لما أجمع عليه علماء الأمة.
وقد عملت الأجهزة الأمنية في قطاع غزة على حماية الجبهة الداخلية ومواجهة المنحرفين فكرياً من خلال آليات مختلفة في جهد مميّز وكبير، وما نعيشه اليوم من أمن وأمان في شوارع غزة هو ثمرة هذه الجهود المشتركة بين أجهزة الأمن في غزة لحفظ الأمن، كما لا ننسى عمل الدعاة والوعاظ على توضيح المفاهيم الخاطئة التي تؤدي إلى الانحراف الفكري، والعمل على الوقاية منها، ومقاومة الأفكار المتشددة الدخيلة على مجتمعنا، وينبغي أن يكون للإعلام دور أوسع في الوقاية من الانحراف الفكري ومحاربة السلوكيات المتطرفة.
كما أدعو علماء مجتمعنا وعقلاءه إلى تشكيل هيئة وطنية لمحاربة الفكر المنحرف، على أن تشمل علماء واعلاميين ومربين تربويين، تعمل على وقاية شبابنا من الفكر المتطرف والمنحرف، وتعزيز المفاهيم الإسلامية التي تدعو إلى الوسطية والاعتدال والعمل على تجفيف منابع الفكر المنحرف، من خلال جهد واع ومنظم يتميز بالقوة والحزم، إذا استنفدت كل الوسائل.}