حازم عياد

أعلن في الأستانة قيام خبراء روس بإعداد دستور جديد لسوريا؛ دستور يحوي في جوهره على خطة العمل الروسية لمستقبل سوريا.
خطوة مفاجئة، فالأطراف انشغلت بتثبيت وقف إطلاق النار وطبيعة الدور الإيراني والتركي والضمانات المقدمة لتثبيت وقف إطلاق النار وآلياته؛ إلا أن روسيا كانت منشغلة في إعداد الدستور لتقدمه لقادة المعارضة السورية؛ فهو بمثابة مفاجأة مهمة؛ تعكس طبيعة الدور الروسي المتنامي في سوريا والطموحات والمصالح التي تسعى لترسيخها في سوريا.
روسيا تسيطر بالكامل على مدينة حلب بعد أن أخرجت منها المعارضة والميليشيات التابعة لإيران والنظام السوري؛ ومن معالم سلطتها المتنامية توقيعها اتفاقاً مع النظام السوري لبناء قاعدة بحرية في طرطوس تسمح بدخول بوارج روسية وقطع بحرية نووية؛ اتفاق سيمتد الى 49 عاماً، مشرّعاً الوجود الروسي ومعززاً مكانة قاعدتها الجوية في حميميم.
بالتأكيد فإن الدستور الروسي سيعمل على معالجة الهواجس الروسية التي تحدثت عنها وسائل الإعلام الروسية؛ والتي حذرت من تكرار التجربة في فيتنام، حيث سمحت الحكومة في هانوي بإقامة قاعدة بحرية سرعان ما تراجعت عن دعم وجودها في ما بعد؛ ما أفضى الى إغلاقها ووقف العمل على تطويرها في حينه؛ فالضامن الحقيقي ليست الاتفاقات المتغيرة بل الدساتير وما تتضمنه من بنود لترسيخ النفوذ والحفاظ عليه.
طرح روسيا لدستور جديد على صفة الاستعجال وبأيدي خبراء روس يحمل رسائل قوية لكافة الأطراف، بأنها صاحبة اليد الطولى في تقرير مصير البلاد، وأن المساعدة بإطلاق العملية السياسية مسألة حيوية للروس؛ أمر سيفاقم من أزمة علاقتها بإيران، كما سيلقي ظلالاً ثقيلة على قوى الثورة السورية التي سترى في المقترح الروسي محاولة لاستباق الأحداث وتأزيم ومفاقمة لخلافتها في ما بينها.
اقتراح الدستور وبأيدي خبراء روس خطوة متسرعة تعكس هشاشة التحالفات الروسية، سواء مع النظام أو مع إيران؛ ومؤشر قوي على أن الدور الروسي عرضة لهزات كبيرة في المرحلة القادمة؛ في ظل الممانعة الأوروبية والأمريكية الممكنة مستقبلاً؛ الدستور الروسي مؤشر مهم على أن جولة الصراع المقبلة ستكون أشد قوة وخطورة مما سبق، إن لم تتفاعل المعارضة وتركيا مع توجهات روسيا بحكمة ودراية؛ يقابلها مزيد من المرونة من الجانب الروسي.
نحتاج من روسيا تقديم أوراق إضافية ومهمة للمعارضة السورية وتركيا والسعودية إذا أرادت الحفاظ على مصالحها والمضيّ قدماً في العملية السياسية؛ فالدستور وحده ليس ضمانة في ظل الممانعة التي ستتشكل وتتدحرج ككرة الثلج محلياً وإقليمياً لمواجهة السياسة الروسية؛ فالخطوة الروسية مأزومة وستقود الجميع الى مأزق كبير، ما لم تقدم روسيا المزيد من الأوراق للمعارضة وحلفائها.