ما توقعه المقدسيون من إجراءات انتقامية للاحتلال ضدهم بعد هبّة الأقصى الأخيرة، التي قدموا خلالها أربعة شهداء وعشرات الجرحى، وأكثر من 450 معتقلاً، بدأت ملامحه تظهر تدريجياً منذ مطلع الأسبوع الحالي. فعلى صعيد اقتحامات المسجد الأقصى، سجل ارتفاع غير مسبوق في أعداد المستوطنين المقتحمين للمسجد، إذ بلغت أعدادهم منذ مطلع شهر آب وحتى الآن قرابة أربعة آلاف مستوطن، في حين قدرت جمعيات يهودية متطرفة ومنها جمعية ما يسمى بـ«الهيكل» أعداد المقتحمين منذ مطلع عام 2017 وحتى بداية آب، بنحو 20 ألف شخص، وهو عدد غير مسبوق من المقتحمين منذ عام 1967. 
ويقول مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، وهو أحد أشهر رجال الدين الذين تصدّروا الحراك الشبابي والديني في هبة الأقصى، إن هذا التصعيد الإسرائيلي كان متوقعاً، سواء بأعداد المقتحمين أو بممارسات جنود الاحتلال ضد حراس الأقصى وموظفي الأوقاف، الذين صدرت بحق العديد منهم أوامر إبعاد عن البلدة القديمة والأقصى. ويضيف أن بعضهم تعرّض للاعتداء الجسدي، وتم منعهم من متابعة ومراقبة اقتحامات المستوطنين لباحاته. ويشير إلى أن إدارة المسجد «ترصد وتتبع هذا التصعيد الاحتلالي»، وأن موقفها «ثابت من رفض ومقاومة أية إجراءات تمس مكانة المسجد»، ويقول: «سنبقى مدافعين عنه».
وكان أخطر تطور في موضوع الأقصى، محاولة عضو الكنيست المتطرف، يهودا غليك، نقل المعركة حول الاقتحامات إلى ساحة الغزالي الملاصقة لمنطقة باب الأسباط. وكان غليك نجا أخيراً من محاولة اغتيال نفذها ناشط مقدسي وانتهت إلى قتله. ونقل غليك، بحماية شرطة الاحتلال الخاصة، من مكتبه إلى باب الأسباط، في خطوة وصفها بـ«الاحتجاجية» على منع نواب ووزراء إسرائيليين من اقتحام الأقصى، وهي خطوة قوبلت بالتنديد من قبل إدارة الأوقاف الإسلامية التي رأت فيها تصعيداً جديداً وخطيراً، قد يعيد المواجهة مجدداً إلى محيط الأقصى.
حملة واسعة من الاعتقالات
أما الوجه الآخر للتصعيد الاحتلالي المرتبط بهبة الأقصى، فيتمثل في حملة الاعتقالات الواسعة التي نفذت منذ منتصف تموز الماضي وحتى منتصف الشهر الحالي. وتشير معطيات «لجنة أهالي الأسرى المقدسيين» و«نادي الأسير الفلسطيني في القدس»، إلى عدد كبير من الاعتقالات غير المسبوقة في صفوف الناشطين المقدسيين، عدا الاستدعاءات اليومية لفتية وأطفال قاصرين والتحقيق معهم بتهم تتراوح ما بين رجم الحجارة، وشتم المستوطنين.
ويعتبر مدير «نادي الأسير في القدس»، ناصر قوس، أن حملة الاعتقالات طاولت حتى يوم الثلاثاء، أكثر من 450 من الشبان والفتية، وهذا عدد كبير من الاعتقالات يسجل في غضون شهر واحد، أو أقل من ذلك، وفق تأكيده. ويضيف أن هذه الاعتقالات لم تخل من ممارسة العنف والاعتداء الوحشي وتحطيم محتويات المنازل، واقتحام المؤسسات الصحية كما حدث مع مستشفى «المقاصد» واعتقال الجرحى منه. ويتابع أنه «لم تكن هذه الاعتقالات مفاجئة بالنسبة لنا، وهي تتم بصورة يومية ودونما توقف، اعتقاداً منهم أن الاعتقال والتنكيل بالمعتقلين سينهي مقاومة احتلالهم وإجراءاتهم التهويدية، وهذا لن يكون طالما هناك احتلال»، بحسب قوله.
اقتحام بيوت الشهداء
بيد أن التطور الجديد المتصل بحملات الدهم والاعتقال، هو اقتحام منازل أسر الشهداء المقدسيين، ومصادرة ممتلكاتهم وأموالهم، بدعوى أنها مرسلة إليهم من قبل حركة حماس. وفي ليل الاثنين-الثلاثاء، تم اقتحام منازل سبعة من الشهداء المقدسيين من أحياء عدة في المدينة المحتلة، ومنها أحياء رأس العمود وبيت حنينا والعيسوية ووادي الجوز، حيث تمت مصادرة ممتلكاتهم. ووفقاً لبيان لشرطة الاحتلال، فقد قامت قوات إسرائيلية معززة بما يسمى جهاز الأمن العام «الشاباك»، بحملة مداهمة واسعة طاولت منازل عائلات شهداء، تم تمويلها ودعمها مادياً من قبل حركة حماس.}