أمين العاصي

تتسارع التطورات الميدانية في جنوب سورية، إذ انضمت أغلب بلدات محافظة درعا ومدنها إلى «التسوية الروسية» بشروطها شبه الاستسلامية، في وقت تتواصل فيه المفاوضات حول أعلى تلة في الجنوب السوري، لا تزال المعارضة السورية تسيطر عليها، بينما عبّرت تركيا عن قلقها حيال الشمال السوري، في ظل مؤشرات على نيّة الروس الالتفات إليه بعد الانتهاء من الجنوب، وهو ما سيؤدي إلى خلط أوراق الصراع وتهديد الأمن القومي التركي. واتخذت قوات النظام منحى التصعيد في محافظة القنيطرة، وبعض بلدات ريف درعا الشمالي، إذ قالت مصادر محلية إن قوات النظام استهدفت بلدة المال وتل المال ضمن ما يسمى منطقة «مثلث الموت» في ريف درعا الشمالي بقذائف المدفعية وسط حركة نزوح جماعي للأهالي باتجاه القنيطرة بسبب القصف العنيف على المنطقة.
وكان لافتاً صباح السبت الماضي، التصعيد العسكري للنظام وروسيا، في بلدة مسحرة بريف القنيطرة، إذ ذكرت وسائل إعلام موالية لبشار الأسد أن قوات الأخير، بدأت فجر الأحد في اقتحام مسحرة من عدة محاور، وسط اشتباكات عنيفة مع فصائل المنطقة، بينما قالت مصادر محلية، إن قوات النظام قصفت تل مسحرة بمئات القذائف العنقودية وصواريخ الراجمات وصواريخ «الفيل»، مشيرة إلى أن القصف طاول أيضاً مناطق الطيحة وكفرناسج وعقربا والمال وتل المال. وأوضحت المصادر أن النظام السوري كان قدم عرضاً إلى فصيل «لواء شهداء مسحرة» يتضمن إيقاف حملته العسكرية ضده مقابل التزام الفصيل عدم قصف بلدة جبا القريبة، وهو ما وافق عليه الفصيل، لكن حملة النظام تواصلت على البلدة. واللافت في تصعيد النظام وروسيا على مسحرة في ريف القنيطرة الشرقي، هو دفع قاعدة حميميم الروسية، بطائرات حربية للمشاركة في الحملة العسكرية، التي تشهدها مسحرة القريبة من الحدود مع الجولان السوري المحتل. وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، في بيان: «رغم عودة عشرات آلاف النازحين إلى درعا إلا أن 160 ألف شخص ما زالوا في القنيطرة». وكان وفد من القنيطرة قد وصل إلى مدينة درعا قبل يومين بغية الشروع في مفاوضات مع الروس بشأن مصير محافظة القنيطرة وإمكانية انضمامها إلى حركة «المصالحات» التي تجري في محافظة درعا منذ بدء حملة قوات النظام على المدينة في 19 الشهر الماضي. ولم تفضِ هذه المفاوضات حول القنيطرة حتى الآن إلى نتائج، لكنها تتواصل، ويتوقع أن تتوصل لنتائج عقب انتهاء النظام وروسيا من ملف شمال وشمال غرب درعا.
في غضون ذلك، تتواصل عملية التفاوض للتوصل إلى حل نهائي حول بلدة الحارة وتلّتها الاستراتيجية، التي تعد أعلى تلة في محافظة درعا، وذلك بعد رفض فصيلين محليين اتفاق المصالحة مع النظام وإقدامهما على السيطرة على التل الاستراتيجي. وتتواصل المفاوضات بشأن دخول قوات النظام إلى مدينة نوى ورفع علمه فيها وعودة مؤسساته للعمل في المدينة، وذلك بعد تسليم الأسلحة في كل من مدينة درعا ومدينة إنخل وبلدة جاسم ومناطق أخرى من ريف درعا لقوات النظام. وتحاول فصائل المعارضة في ريف القنيطرة وبلدات في ريف درعا الغربي تحسين شروط الاتفاق مع الجانب الروسي، خصوصاً لجهة الحصول على ضمانات تحول دون قيام قوات النظام بالفتك بالمدنيين بعد الاتفاق. وتوصّلت فصائل المعارضة في مدينة جاسم شمال غربي درعا إلى اتفاق مع الجانب الروسي يقضي بدخول الشرطة الروسية إلى المدينة ورفع علم النظام فيها. ونُفِّذَ أول بند في الاتفاق السبت الماضي، وهو تسليم دبابة للنظام. كما اتفقت فصائل المعارضة مع الروس على انسحاب قوّات النظام من بلدتي صيدا والكحيل شرق درعا وعودة المدنيين إليهما. 
إلى ذلك، بدأ يوم الأحد خروج أول دفعة من المهجرين للشمال السوري، بعد أن تأجل خروجهم عدة مرات بسبب مماطلة النظام وروسيا. واستقل، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، «مئات المقاتلين وأفراد عائلاتهم 15 حافلة، حاملين حقائبهم التي تحوي حاجياتهم الشخصية وغادروا» نقطة التجمع. وكان قيادي من الجيش السوري الحر قد قال إنه يجري تجميع الراغبين في الخروج من الرافضين للاتفاقات مع النظام في حي سجنة قرب مدينة درعا استعداداً لرحيلهم إلى محافظة إدلب شمال غربي البلاد. ومن المفترض خروج آلاف المدنيين والمقاتلين ونشطاء في مجال الإعلام والأعمال الإنسانية إلى الشمال بسبب مخاوف من قيام النظام بالانتقام منهم. وأوضح القيادي أن مسلحي «هيئة تحرير الشام» خرجوا إلى ريف القنيطرة منذ أيام، مضيفاً: «قد يكون لهم ترتيب آخر هناك بمعزل عن فصائل درعا».
وفي الوقت الذي يشهد فيه الجنوب السوري تطورات دراماتيكية، حيث يوشك الروس على الإطباق عليه بشكل كامل، بدأ الأتراك يعبّرون عن قلقهم حيال الشمال السوري في ظل مؤشرات على نيّة الروس الالتفات إليه. وحذّر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، من أن تقدم قوات النظام السوري نحو محافظة إدلب، كما حصل في درعا، سيدمر جوهر اتفاق أستانة. وذكرت وكالة «الأناضول» التركية أن أردوغان أعرب عن قلقه من استهداف المدنيين في محافظة درعا، مؤكداً أن «تقدم قوات النظام نحو محافظة إدلب شمال غربي سورية بطريقة مماثلة، يعني تدمير جوهر اتفاق أستانة».
ونسفت روسيا جُل اتفاقات أستانة الخاصة بمناطق خفض التصعيد الأربع، إذ لم تعد سوى إدلب ومحيطها ضمن هذه الاتفاقات، بعد أن قام النظام، بمساعدة الروس، بالسيطرة على غوطة دمشق الشرقية وريف حمص الشمالي ومعظم جنوب سورية حتى الآن. ونشرت تركيا 12 نقطة مراقبة عسكرية في محيط منطقة خفض التصعيد شمال غربي سورية خلال العام الحالي. وتدرك أنقرة أن الشمال السوري برمته قنبلة موقوتة انفجارها يعني إغراق تركيا بالمهجّرين السوريين، لذا تعمل على تجنب الخيار الأسوأ، وهو قيام الروس بعملية عسكرية من شأنها تفجير الموقف وخلط الأوراق في منطقة تضم نحو 3 ملايين مدني يمرون بمرحلة «عدم اليقين» وينتابهم القلق على مصيرهم، ما قد يدفعهم إلى اجتياز الحدود في تكرار لسيناريو عام 2015، حيث عبر عشرات آلاف اللاجئين إلى أوروبا.}