نائلة خليل

يحيي الفلسطينيون الذكرى التاسعة والستين للنكبة في ظل ظروف تتضاءل فيها مساحة ما بقي من أرض ومقومات حياة بين أيدي الفلسطينيين، فيما يتزايد عدد اللاجئين منهم، مع هدم الاحتلال الإسرائيلي كل منزل أو منشأة جديدة بشكل شبه يومي. لكن على الرغم من كل الصعوبات، يواصل الفلسطينيون انتفاضتهم على الاحتلال بأشكال مختلفة، أبرز محطاتها اليوم تتمثل بالمعركة المفتوحة لمئات الأسرى المضربين عن الطعام في المعتقلات الإسرائيلية. 
صحيح أن هذا التدهور الذي يشمل كل الأصعدة، وطنياً وعربياً، يواجه بتحرك سياسي رسمي يتظاهر بإحراز تقدم على الصعيد القانوني والدبلوماسي ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكن الفلسطيني لا يلمس من هذا التحرك إلا مزيداً من الخسائر على الأرض، مع مخاوف متزايدة من تسوية إقليمية محتملة يتردد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سيقوم برعايتها.
وأسوةً بذكرى النكبة في السنوات الماضية, لن يتغير شيء على نمطيّة إحياء الذكرى عبر برنامج اجتر نفسه ووصل التشابه بينه وبين برامج السنوات الماضية حدّ التطابق، من فعاليات ومهرجانات، وندوات وبث أغان وطنية وبرامج عن اللاجئين، ستختفي حال انتهاء الذكرى، مع بقاء الواقع يتدهور يومياً. وأعلنت «اللجنة الوطنية لإحياء ذكرى النكبة 69» عن البرنامج لهذا العام الذي يأتي إسناداً لتحرك الأسرى المضربين عن الطعام، في معركة الكرامة والحرية تحت شعار «أرضنا فلسطينية... عودتنا حتميّة... ولأسرانا الحرية».
وفي الوقت الذي تعلو فيه الأصوات والشعارات المؤيدة للأسرى بالتزامن مع إحياء ذكرى النكبة، يتجمع العشرات من أهالي الأسرى على أبواب مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله بالضفة الغربية، ويهتفون «يا أبو عمار طل وشوف... باعوا الأسرى بالألوف». ويصر الأمن على عدم السماح لهم بدخول المقاطعة التي حاول الأهالي أكثر من مرة لقاء الرئيس محمود عباس (أبو مازن) للطلب منه بأن يتحرك لإنقاذ الأسرى الذين يموتون ببطء حسب ذويهم، لكن دون جدوى.
وتأتي ذكرى النكبة الـ69 هذا العام، مع اشتداد شراسة الهجمة الاستيطانية، وتأكيد إسرائيلي للفلسطينيين والعرب والعالم أن «الاستيطان خط أحمر» لن يتم التنازل عنه، لأنه يشكل قلب المشروع الصهيوني. وأدى استمرار الاستيطان إلى انهيار المفاوضات أكثر من مرة، كان آخرها عام 2014. ولم تؤد ضمانات وزير الخارجية الأميركية السابق، جون كيري، إلى أي نتيجة أمام التعنت الإسرائيلي وإصرار دولة الاحتلال على استمرار الاستيطان.
ولفت تقرير صادر عن «الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني»، صدر عشية الذكرى الـ69 للنكبة، إلى أن «الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على ويستغل أكثر من 85 بالمائة من أرض فلسطين التاريخية والبالغة حوالى 27.000 كيلومتر مربع. ولم يبقَ للفلسطينيين سوى حوالى 15 بالمائة فقط من مساحة الأراضي، وبلغت نسبة الفلسطينيين 48 بالمائة من إجمالي السكان في فلسطين التاريخية». وتابع التقرير أن «الاحتلال الإسرائيلي أقام منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي لقطاع غزة بعرض يزيد على 1.500 متر، على طول الحدود الشرقية للقطاع. وبهذا يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على حوالى 24 بالمائة من مساحة القطاع البالغة 365 كيلومتراً مربعاً، كما يسيطر الاحتلال على أكثر من 90 بالمائة من مساحة غور الأردن الذي يشكل ما نسبته 29 بالمائة من إجمالي مساحة الضفة الغربية»، وفق التقرير نفسه. وأضاف التقرير أن «الاحتلال يسيطر على معظم مصادر المياه الموجودة ويحرم الفلسطينيين حقهم في الوصول إلى مصادر المياه وفي الحصول على مصادر بديلة، إذ يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على 85 بالمائة من المياه المتدفقة من الأحواض الجوفية، ما يجبر الفلسطينيين على شراء المياه من شركة المياه الإسرائيلية».
وفي هذا الصدد، قال رئيس «المؤتمر الشعبي الفلسطيني» (الذي عقد في تركيا)، أنيس فوزي القاسم: «سنستمر في عقد هذه المؤتمرات، وسيكون هناك مؤتمر مهم في إحدى العواصم الأوروبية في خلال الأشهر القليلة المقبلة سيشارك فيه المئات من اللاجئين الفلسطينيين في الشتات»، وفق تعبيره.
ويشير تقرير صادر عن «الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني» إلى أن «الواقع الديموغرافي للفلسطينيين تضاعف أكثر من تسع مرات بعد 69 عاماً على النكبة». وحسب التقرير «فقد قُدر عدد الفلسطينيين في العالم نهاية عام 2016 بحوالى 12.70 مليون نسمة، وهذا يعني أن عدد الفلسطينيين في العالم تضاعف تسع مرات منذ أحداث نكبة 1948». وأضاف أنه «في ما يتعلق بعدد الفلسطينيين المقيمين حالياً في فلسطين التاريخية (ما بين النهر والبحر) فإن البيانات تشير إلى أن عددهم بلغ في نهاية عام 2016 حوالى 6.41 ملايين نسمة، ومن المتوقع أن يبلغ عددهم نحو سبعة ملايين نسمة وذلك بحلول نهاية عام 2020، وذلك في ما لو بقيت معدلات النمو السائدة حالياً».
وترى القيادية في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» خالدة جرار، أن «كل الحراك في الأسابيع الماضية، سواء التحركات الفلسطينية المصرية الأردنية، أو ما تسرّب عن تسوية كان يعدها وزير الخارجية الأميركية الأسبق جون كيري، لا نستطيع أن نفهم منها سوى شيء واحد هو أنها مساع حقيقية لإنهاء الصراع عبر شطب حق العودة». وأكدت جرار أن «الرئيس أبو مازن لم يطلع أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على أية مستجدات حول زيارته إلى الولايات المتحدة، أو زيارة ترامب المرتقبة للأراضي الفلسطينية، ولا نعلم ماذا جرى في لقاءات واشنطن، وماذا بحث الرئيس وقبله الوفد الفلسطيني الاستطلاعي في واشنطن، وقبل ذلك ماذا دار بين الرئيس الفلسطيني والمبعوث الأميركي، جيسون غرينبلات، في آذار الماضي».}