العدد 1478 /15-9-2021

المركز الفلسطيني للإعلاميوافق اليوم 12 من سبتمبر الذكرى الـ16 على دحر المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي عن أرض غزة بعد احتلال دام 38 عامًا، لتعيش غزة في عزة وكرامة منقطعة النظير.

ومثّلت 25 مستوطنة إسرائيلية نحو 35% من مساحة قطاع غزة، كانت بمنزلة نقاط سيطرة استراتيجية للاحتلال، كما شكلت كنزًا حقيقيًّا نهب من خلالها الاحتلال الموارد الطبيعية للقطاع، وليس أدل على ذلك من سرقته المياه الجوفية العذبة، والكثبان الرملية التي نقلها إلى داخل الأرض المحتلة.

وأصبحت 25 مغتصبة جاثمة على أرض القطاع أثرًا بعد عين عقب الاندحار عنها بفعل ضربات المقاومة، ولطالما كانت كالغدد السرطانية تجزئ محافظات القطاع ومناطقه، وتشل تحركات أهله وتنقلاتهم.

تصاعد المقاومة

ومنذ اليوم الأول لانتفاضة الأقصى، شهدت الساحة الفلسطينية عامة وفي قطاع غزة خاصة، حالة مقاومة متصاعدة، وشهدت تطورًا في أدوات المقاومة الفلسطينية مقارنة بالانتفاضة الأولى، التي كان أبرز أدواتها "الحجارة" و"الزجاجات الحارقة".

وشهدت كل نقاط التماس مع الاحتلال في قطاع غزة مواجهات يومية، سرعان ما تطورت إلى عمليات اقتحام للمستوطنات وعمليات إطلاق النار على الجنود، ولقد فرضت طبيعة المواجهة العسكريّة المتصاعدة بين المقاومة والاحتلال خلال الانتفاضة ضرورة توفير وسائل قتاليّة محليّة الصنع قادرة على تلبية الاحتياج الميدانيّ المتزايد، فطورت المقاومة من منظومة التصنيع لديها، وصنّعت العديد من الأسلحة كالقذائف الصاروخية، ومضادات الدروع، والقنابل اليدوية، والأحزمة الناسفة.

هذا التطور المتسارع للقدرات العسكرية للمقاومة خلال الانتفاضة، رفع فاتورة حماية المستوطنين في غزة، الأمر الذي جعل من غزة كابوسًا يحلم "شارون" في التخلص منه.

أدوات المقاومة

وخلال السنوات الخمسة التي استمرت الانتفاضة فيها بقطاع غزة؛ امتشقت المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها كتائب القسام كل الأدوات والخيارات في مواجهة الاحتلال الصهيوني، فابتكرت كتائب القسام أسلوبًا جديدًا في مقاومة الاحتلال، تمثل في حفر الأنفاق واستهداف المواقع العسكرية للاحتلال.

ونفذت القسام عبر سلاح الأنفاق الاستراتيجية العديد من العمليات التي قلبت معادلة الصراع مع الاحتلال، ودفعته للهروب من غزة، أبرزها عملية موقع ترميد في سبتمبر عام 2001، وعملية موقع حردون في ديسمبر عام 2003، وعملية محفوظة في يونيو 2004م، وعملية براكين الغضب في ديسمبر2004م، كما واستخدمت نفقًا في عملية السهم الثاقب عام 2004.

ومن الأدوات التي استخدمتها المقاومة العمليات الاستشهادية، في الرابع عشر من يناير عام 2004 فجرت الاستشهادية القسامية ريم الرياشي حزامها الناسف وسط تجمع لجنود وضباط الاحتلال في معبر بيت حانون، ما أدى إلى مقتل 4 جنود وإصابة 10 آخرين.

وردًا على اغتيال الشيخ أحمد ياسين، فجّر الاستشهادي طارق حميد في الثامن والعشرين من أبريل عام 2004، سيارته المفخخة في حاجز أبو هولي في دير البلح، اعترف العدو بإصابة 4 جنود بجراح خطيرة.

كما واقتحمت المقاومة المواقع، في الثاني من أكتوبر عام 2001م، نفذت كتائب القسام أول عملية اقتحام لمستوطنة في انتفاضة الأقصى، استهدفت مستوطنة "إيلي سيناي" شمال قطاع غزة نفذها الاستشهاديان القساميان إبراهيم نزار ريان، وعبد الله شعبان، وأسفرت عن مقتل جنديين وإصابة 15 آخرين بجروح.

وفي السابع من مارس عام 2002م، اقتحم الاستشهادي محمد فرحات أكاديمية عوتسيم العسكرية في مغتصبة عتصمونا، واشتبك مع الجنود داخلها، ما أدى لمقتل 11 جنديًّا وإصابة 10 آخرين

وفي الحادي والعشرين من مارس عام 2004م، نفذ الاستشهاديان محمد سالم من كتائب القسام، ونبيل مسعود من كتائب شهداء الأقصى عملية مشتركة داخل أسدود، ما أدى إلى مقتل 10 إسرائيليين وإصابة 20 آخرين.

وفي الثاني من مايو عام 2004 نفذت سرايا القدس بالاشتراك مع ألوية الناصر صلاح الدين عملية اقتحام مغتصبة كيسوفيم، نفذها الاستشهاديان إبراهيم حماد، وفيصل أبو نقيرة قتلا خلالها 5 مستوطنين، وأصابا عددًا آخر.

وفي الرابع عشر من يناير عام 2005م نفذت كتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى وألوية الناصر صلاح الدين ملحمة جهادية، فضربت العدو في معبر كارني في عملية "زلزلة الحصون" الاستشهادية النوعية، والتي أدت إلى مقتل 6 جنود وإصابة 5 آخرين.

خسائر الاحتلال

وكبدت المقاومة الفلسطينية الاحتلال خسائر بشرية ومادية كبيرة، فخلال سنوات انتفاضة الأقصى، نفذت المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام 68 عملية ما بين إطلاق نار وتفجير آليات واقتحام للمغتصبات، أدت إلى مقتل 135 إسرائيليا، منهم 106 من الجنود والضباط، و29 مستوطنًا، بينما أصيب العشرات منهم بجراح.

وشهد عام 2004م، وهو العام الذي سبق الاندحار عن غزة، أعلى نسبة لعدد القتلى في صفوف جنود الاحتلال، إذ قُتل فيه 46 جنديًا، ما جعل وجود الاحتلال في غزة وقربه مكانيًّا من المقاومة الفلسطينية أمرًا مستحيلًا.

ورغم استهداف الاحتلال لحركة حماس وقادتها منذ نشأتها، إلا أنها قادت المقاومة نحو الطريق الصحيح، وباتت حامية لها، وشكلت سدًّا منيعًا أمام كل محاولات سحب سلاحها واستئصالها التي كانت تمارسها السلطة الفلسطينية وأعوانها.

تطور المقاومة

مكّن الاندحار الإسرائيلي عن قطاع غزة، المقاومة الفلسطينية من حرية العمل وتطوير قدراتها المختلفة وتصاعدها، إذ عملت المقاومة على إعداد تكتيكات جديدة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

هذا التطور مكّن المقاومة من الصمود في مواجهة عدوان الاحتلال المتواصل على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، كما مكّنها من إفشال أهداف الاحتلال في القضاء على المقاومة الفلسطينية، والتي غدت اليوم كابوسًا يؤرق قادة الاحتلال.

وبات الاندحار عن غزة نقطة تحول كبير في تطور أداء المقاومة وسلاحها، واتساع معركتها مع العدو، حتى أضحت تبدع في معركة تلو الأخرى، وظل الشعب ظهرًا حاميًا وداعمًا لها رغم الجوع والحصار.

وانعكس تطور المقاومة على أدائها ميدانيًّا خلال معركة العصف المأكول 2014، إذ نفذت المقاومة العديد من العمليات العسكرية النوعية، وعمليات الإنزال خلف خطوط العدو، وصولًا إلى معركة سيف القدس، إذ اتسع نطاق صواريخ المقاومة ليصل إلى داخل العمق الصهيوني في الأراضي المحتلة.

وتمكّنت غزة رغم مؤامرة الحصار والعدوان من أن تصمد وتؤسس لمرحلة تكون فيها رقمًا صعبًا في المعادلة الفلسطينية والعربية والدولية.

وبعد مرور 16 عامًا على اندحار الاحتلال عن غزة، والذي عدته حماس إنجازًا وطنيًّا ومقدمة لتحرير باقي الأرض، ستبقى المقاومة على امتداد خارطة الوطن من غزة إلى القدس إلى نابلس والخليل وجنين القسام، وبلدة بيتا، مشرعة وبكل الأدوات والأشكال كافة، تراكم وتعاظم من قوتها، وصولًا إلى معركة التحرير ودحر الاحتلال عن كل فلسطين.