عندما ترفض الظلم الواقع على شخصٍ مهدّد في حريته ووجوده، فإنك لا تتضامن مع شخص، وإنما تنحاز إلى قيم ومبادئ، وبالتالي لا ينبغي أن تنظر هنا إلى مواقفه السابقة والآنية، التي قد تكون مخالفةً لقناعاتك، ولا يصحّ أن تضع في مقدمة تضامنك، أو منتهاه عبارة «رغم اختلافي معه».
في موضوع الفلسطينيتين، عهد التميمي وياسمين أبو سرور، وفي محنة السياسي المصري المعارض محمد محسوب، تشبعت الأجواء بسموم الانتقائية الأيديولوجية، والفرز القبائلي، على حساب المبدأ العام والقيمة المطلقة، فجاءت بعض ردّات الفعل مسممةً بالميل الشخصي والهوى العقائدي.
في قصة عهد وياسمين، العائدتين من سجون الاحتلال الصهيوني، أطلت الأهواء الضيقة برأسها، استناداً إلى أن الاحتفال كان صاخباً وهادراً بحرية المقدسية عهد التميمي، الصبيّة الصغيرة الشقراء، المسترسلة الشعر، بينما جاء خافتاً، لا يشعر به أحد، مع حرية المقدسية الأخرى ياسمين أبو سرور، المحجبّة ذات السمت المحافظ.
من الممكن هنا إدانة منهج التعاطف الانتقائي، لكن ذلك لا يبرّر أبداً تجريد ما فعلته الصغيرة عهد من مضمونه البطولي، ومحتواه المقاوم، بالذهاب إلى التفتيش في تاريخ والدها وانحيازه إلى إجرام نظام الأسد، فينحرف المسار من احتفاء بمبدأ مقاومة الاحتلال وتضامن معه، كما تجلى في الانتصار الصغير الذي حققته التميمي، بصمودها ومواجهتها لغطرسة المحتل، لندخل في حالة هستيرية من التشكيك في الصغيرة وما فعلته، انطلاقاً من محاسبتها على اختيارات والدها، فيصير الانتصار للهوى الأيديولوجي مقدّماً على الانتصار للمقاومة.
شيء من هذا، طفح في مأساة الدكتور محمد محسوب، الوزير السابق والسياسي المعارض، لدى اعتقال السلطات الإيطالية له استجابة لطلب من النظام المصري، لتهبّ عاصفة تضامن معه، لم تخل من بعض سموم التشكيك والتفتيش في سجل مواقف الرجل، للخروج بتركيبة تعاطف مشروط، بالعبارة البائسة «رغم الاختلاف معه»، تلك العبارة التي تخدش قيمة الانحياز للحرية ومبدأ الدفاع المطلق عن العدل والحق. وفي مقابل ذلك، يشتط آخرون في الانحياز، على أساس أيديولوجي مغلق، أو معرفة شخصية به، على الرغم من أنه ليس مطلوباً، ولا يجب أن يكون مطروحاً، السجل الشخصي للمظلوم، قبل أن تحاول رفع الظلم عنه.
هنيئاً لعهد التميمي وياسمين أبو سرور ومحمد محسوب بالحرية، ولا عزاء لهمجية الاحتلال وفاشية الطغيان.}