العدد 1671 /9-7-2025
محمد داود العلي
"عندما
صدر القرار أمس (...)، بصراحه لم أطلع عليه بشكل مسبق. بُلّغت بالقرار بعد اتخاذه.
الرئيس أبو مازن عودنا دائما على السرعة في اتخاذ (القرارات) يعني عندما تأتيه
فكرة (...) يصدرها فورا، ويتم إبلاغنا.. (في معظم الحالات) ليس باستمرار
هكذا"، بهذا الإيجاز المترافق مع فرك عفوي لليدين، تحدث القيادي في حركة فتح
عزام الأحمد -المشرف على الساحة الفلسطينية في لبنان- من منزله في رام الله، عبر
شاشة قناة "الجديد" اللبنانية، في السادس من يوليو/تموز الجاري، عن
إعفاء نائبه السفير أشرف دبور من منصبه نائبا للمشرف، وذلك بموجب قرار أصدره محمود
عباس رئيس حركة فتح والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية قبل ذلك بيوم.
لم
يكن هذا القرار ذو الطابع البيروقراطي من شأنه أن يستحق هذه المتابعة الإعلامية،
لولا ارتباطه الوثيق بملف بالغ الحساسية كان عباس نفسه قد فتحه عندما حضر إلى
لبنان يوم 21 مايو/أيار الماضي، في زيارة مدتها 3 أيام لإقرار خطة فلسطينية
لبنانية تنص على سحب الأسلحة من الفصائل الفلسطينية في مخيمات اللاجئين في شمال
لبنان ووسطه وجنوبه.
وفي
ختام الزيارة، أعلن الرئيسان الفلسطيني واللبناني -حسب المتحدثة باسم الرئاسة
اللبنانية نجاة شرف الدين- عن "تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة أوضاع مخيمات
اللاجئين الفلسطينيين في لبنان" صدر عنها لاحقا وبعد اجتماعها الأول بيانا
يفيد باتفاق الطرفين على خطة تنفيذية لسحب سلاح المخيمات بدءا من مخيمات بيروت.
وبدلا
من مباشرة العمل ببرنامج سحب الأسلحة من مخيمات مار إلياس، وشاتيلا، وبرج البراجنة
يوم 16 يونيو/حزيران حسب ترتيبات اللجنة، تحول المشهد برمته باتجاه آخر. فقد ظهر
التعثر إلى العلن عندما أعلن مسؤول فلسطيني -في اليوم ذاته- تأجيل "جمع
السلاح من مخيمات اللاجئين في لبنان إلى موعد غير محدد، (...)، وذلك بسبب الأوضاع
الراهنة بالمنطقة".
ونسبت
وكالة الأناضول هذا التصريح إلى مسؤول فلسطيني في رام الله لم تسمه، مكتفية بالقول
إنه "رئيس اللجنة العليا لمتابعة الشأن الفلسطيني في الساحة اللبنانية".
ومع تعثر تنفيذ المشروع المثير للجدل بدأت تطفو على السطح تباعا تداعيات قضية سحب
السلاح، التي بلغت ذروتها مع إعفاء السفير دبور من مهمته ذات الطابع السياسي
والتنفيذي المرتبط بأوضاع مخيمات اللاجئين والفصائل، وحصر دوره في البعد
الدبلوماسي وحده.
ما
ملامح الخلاف الفتحاوي حول سحب السلاح ودواعيه، وهل له بعد تنظيمي صرف أم أنه
مرتبط برفض تسليم السلاح بسبب التوجس من إدراجه ضمن خطة إقليمية يصار إلى تنفيذها
قبيل الانتقال إلى سحب سلاح حزب الله اللبناني؟
أبو
العردات
يقول
مصدر في هيئة العمل الفلسطيني المشترك إن مظاهر الخلاف بدأت خلال وجود عباس في
بيروت. فقد امتنع عباس عن استقبال فتحي أبو العردات أمين سر حركة فتح وفصائل منظمة
التحرير الفلسطينية في لبنان، وهو ما دفع الأخير للاعتكاف في منزله. أما السفير
دبور فأبدى اعتراضه -حسب المصدر- على تعديلات أجريت على المسودة الأولى التي صاغها
الطرف الفلسطيني في اجتماع سابق عقد في عمّان، والتي أُعلنت من بعبدا باسم
الرئيسين. وأضاف المصدر أن جدالا وقع بين عباس ودبور بشأن كيفية التعامل مع ملف
سحب الأسلحة والتفرد في التصرف فيه دون الالتفات إلى الأطراف والفصائل الفلسطينية
الأخرى، مشيرا إلى أن السفير قال لعباس "لستم وحدكم في الساحة".
وعند
قدوم المشرف على الساحة الفلسطينية في لبنان عزام الأحمد من رام الله إلى بيروت في
الثالث من يونيو/حزيران الماضي على رأس وفد لمناقشة آلية تنفيذ قرار سحب السلاح،
ظهرت علامات التوتر مجددا. ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية عن
مصادر فلسطينية 3 مهام يقوم بها الأحمد، أولا: التأكد من وضع حد للتوتر داخل (فتح)
نتيجة تباين وجهات النظر بشأن ملف تسليم السلاح، وثانيا، محاولة توحيد الموقف
الفلسطيني إزاء هذا الملف من خلال اجتماعات يعقدها مع قادة الفصائل غير المنضوية
تحت إطار منظمة التحرير، وثالثا، التفاهم مع السلطات اللبنانية على آليات تنفيذية
لعملية التسليم. والتقى أحمد رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني السفير رامز
دمشقية، وهيئة العمل الفلسطيني المشترك التي تضم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية،
وتنظيمات إسلامية، بينها عصبة الأنصار والحركة المجاهدة. ولوحظ أن أي بيان أو
تصريح عن نتائج مداولات الأحمد لم يصدر عنه أو عن السفارة.
وتأكيدا
على عمق الخلاف حول سحب السلاح داخل فتح وبين الفصائل، قررت هيئة العمل الفلسطيني
المشترك -في ختام اجتماع عقدته في سفارة فلسطين في بيروت في 12 يونيو/حزيران
الماضي- تأجيل بحث الملف إلى الاجتماع المقبل، وذلك "لمزيد من التشاور
والدرس" من دون أن تحدد موعدا له. ونقلت صحيفة "نداء الوطن" عن
مصدر فلسطيني قوله إن تأجيل بحث الملف له عدة أسباب: أولها انتظار مجيء عزام
الأحمد في 16 يونيو/حزيران "على رأس وفد عسكري وأمني لاستكمال مناقشاته حول
الملف والتوافق على تفاصيله"، وثانيها: لإفساح "المجال أمام الفصائل
الفلسطينية على تنوعها، لمزيد من التشاور والدرس، وصولاً إلى موقف موحد يجمع بين
قرار الداخل ورؤية الخارج"، وثالثها سفر السفير رامز دمشقية مما يعوق عقد
اجتماع للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني.
تأجيل
تقني
وفي
اليوم الموعود -16 يونيو/حزيران- وبدلا من قدوم الأحمد إلى بيروت برفقة الوفد
العسكري الأمني، صدر في رام بيان عن رئيس اللجنة العليا لمتابعة الشأن الفلسطيني
في الساحة اللبنانية، أعلن فيه تأجيل الموعد "تقنيا"، حسبما أفادت به
وكالة "وفا"، مضيفا أن الأجهزة الأمنية والعسكرية الفلسطينية ستباشر
"بالتعاون الكامل مع السلطات الأمنية اللبنانية، وفق الاتفاق بذلك عندما تسنح
الظروف، وبعد استكمال الاستعدادات الضرورية".
أما
إقصاء دبور عن مهامه داخل فتح وفي المخيمات، فلم يمر من دون أصداء، وإن كانت
محدودة. ففي الأول من يوليو/تموز الجاري، قالت مجموعة تطلق على نفسها "أحرار
حركة فتح في لبنان" إنها ترفض رفضا قاطعا أي قرار يُتداول بشأن استبدال
السفير الفلسطيني في لبنان، أشرف دبور، معتبرة أن هذه الخطوة -إن صحت- لا تخدم
الاستقرار السياسي والاجتماعي في الساحة الفلسطينية، وتفتح الباب أمام فراغ خطير
في التمثيل الوطني. وشدد البيان على أن سلاح المخيمات "وُلد من رحم الكفاح
ويحمله أبناء الشهداء"، وأنه لن يُسلَّم إلا في القدس المحررة، رافضا أي
اتفاق يُعقد في "الغرف المكيفة"، أو "عبر أبناء الصفقات
والمصالح"، حسبما ورد في نص البيان.
وبعد
5 أيام، نفذ أبناء حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" ومناصروها في
مخيم الرشيدية (في قضاء صور جنوبي لبنان) اعتصاما احتجاجيا رفضا لسياسة الإقصاء،
التي شملت مناضلين في قيادة الحركة والأمن الوطني الفلسطيني في لبنان. وأكد
المعتصمون رفضهم قرارات اللجنة القادمة من رام الله، ووصفوها بالتعسفية والجائرة،
مشيرين إلى أنها أقصت قيادات يُشهد لها بالنضال والدفاع عن المشروع الوطني والقرار
المستقل، والاستعاضة عنهم بعناصر ضالعة بالتآمر على حركة فتح والمشاركة في زرع
الفتن في المخيمات والدسائس بين أبناء الحركة.
وبخصوص
مغزى كف يد السفير دبور عن ملفات ذات علاقة باللاجئين الفلسطينيين وأسلحة فتح
والفصائل في لبنان، وإذا ما كان بإمكان السلطة في رام الله الخوض في ملف سحب سلاح
المخيمات، يقول مدير مركز ثبات للبحوث واستطلاعات الرأي، جهاد حرب، أن "قدرة
السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة محدودة (...)، وهي تعتمد بشكل رئيسي على القدرات
اللبنانية التي ستتولى القيام بهذه المهمة، خاصة أن كثيرا من السلاح الموجود في
المخيمات، خاصة في مخيمات جنوب لبنان، لا تسيطر عليه السلطة الفلسطينية أو منظمة
التحرير الفلسطينية، بل مجموعات متطرفة أخرى دخلت المخيمات على مدار سنوات طويلة
وأسست لها مكانة عسكرية داخل تلك المخيمات".
وفي
ما يتعلق بدوافع اهتمام السلطة الفلسطينية الاستثنائي بنزع سلاح مخيمات لبنان،
يقول المحلل أحمد الحيلة إن نزع سلاح المخيمات في لبنان فكرة قديمة جديدة، والرئيس
محمود عباس تحدّث عنها أكثر من مرّة في سياق تأكيده بسط السيادة اللبنانية على
كامل أراضيها، ولكنها في حقيقة الأمر تنسجم مع قناعات سياسية لدى عباس ترتبط -حسب
الحيلة- بما يلي:
أولاً:
تبني المفاوضات كونها خيارا إستراتيجيا وحيدا لحل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي،
والترويج بأن خيار المقاومة غير مجدٍ في ظل اختلال موازين القوى مع إسرائيل،
وهيمنة الولايات المتحدة على مقاليد الشرق الأوسط، والسياسة الدولية.
ثانياً:
رغم أن خيار المفاوضات فشل في تحقيق السلام وإنجاز الدولة الفلسطينية المنشودة،
فإن فكرة نزع السلاح الفلسطيني أصبحت سببا جوهريا لاستدامة السلطة الفلسطينية في
رام الله، التي تحوّلت إلى غاية في حد ذاتها لدى شريحة واسعة من القيادات
الفلسطينية المتنفّذة التي ربطت مصيرها الشخصي والسياسي باستدامتها.
وعما
إذا كان نزع السلاح الفلسطيني في لبنان عبارة عن عملية ظرفية ومحدودة لتسهيل عمل
السلطة اللبنانية الجديدة أم أن لها أبعاد إقليمية ودولية بالنظر لتزامنها مع
محاولات نزع سلاح حزب الله، يقول الحيلة: "ربما من المبكّر الحديث عن نزع
سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان، لأنه -وفقا لتطورات المشهد- أصبح مرتبطا بشكل
أو بآخر بالتطورات السياسية في لبنان والمنطقة، التي تسعى واشنطن وتل أبيب لإعادة
رسمها، وفقا لمعايير صهيوأميركية جديدة عقب الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان وإيران،
مما يعني أن سحب السلاح ليس بالأمر السهل، وقد يكون متعذرا في المدى
المنظور".