العدد 1689 /12-11-2025
يأتي بحث تركيا
وسلطنة عُمان إقامة خط ملاحي بينهما، ليكون مبادرة استراتيجية لتعميق الروابط
الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وذلك في أعقاب زيارة الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان
، للسلطنة في أكتوبر/تشرين الأول المنقضي، ما
يعكس الطموحات المشتركة لتحويل الموانئ العُمانية إلى محطات محورية لإعادة التصدير
والتجارة العابرة نحو آسيا وأفريقيا، بينما تستفيد تركيا من موقعها الاستراتيجي
كونها بوابة لأوروبا وآسيا.
ويرتبط أثر هذا
المشروع على المواطن العُماني، باستكشاف الفرص التي يحملها على صعيد الأسعار
والتوظيف والنقل المباشر، إذ بدأت خطط المشروع تأخذ شكلاً ملموساً بعد اجتماع رسمي
بين وزير التجارة والصناعة والترويج للاستثمار العُماني، قيس بن محمد اليوسف، وعدد
من المسؤولين الأتراك بينهم وزير التجارة، عمر بولات.
ويمثل المشروع
نقطة تحول مهمة، فقد أعلنت وزارة العمل العمانية مؤخراً عن خطط طموحة لخلق 600
فرصة عمل جديدة في ميناء صلالة وشركات الخدمات ذات الصلة بحلول نهاية 2025 وحدها،
مع 150 وظيفة مباشرة في الميناء نفسه.
وسيعني تعاظم
حركة النقل البحري بفضل الخط الملاحي المباشر زيادة في الطلب على عمالة ماهرة في
مختلف التخصّصات، من عمال التحميل والتفريغ إلى مهندسي اللوجستيات والعاملين في
الجمارك والموارد البشرية، وفق تقرير "مسقط ديلي".
ويعكس التوجه
الجديد رغبة ملحة من الجانبين في استغلال الموقع الجغرافي الاستثنائي لعمان، التي
تملك ثلاثة موانئ حديثة، هي: صلالة وصحار ودقم، وبنية تحتية متطورة قادرة على
استيعاب حركة شحنات ضخمة، حسب ما أوردت وكالة الأنباء العُمانية.
وفي السياق
الاقتصادي الأوسع، يمثل مشروع الخط الملاحي العُماني التركي فرصة لتوفير سلع
استهلاكية بأسعار أقل للمواطن العُماني، فالخطوط الملاحية المباشرة تعمل، بحسب ما
نقلته "أرابيان غلف بيزنس إنسايت" عن متخصّصين دوليين في اللوجستيات.
وإضافة لذلك،
تندرج مبادرة الخط الملاحي مع تركيا ضمن استراتيجية أوسع لتحويل موانئ سلطنة عُمان
إلى مركز تجاري إقليمي يسهل تدفق البضائع التركية والأوروبية نحو أسواق آسيا
وأفريقيا، فبدلاً من اعتماد المستهلك الخليجي على طرق ملاحية طويلة وغير مباشرة
تمرّ عبر أكثر من ميناء وسيط، سيستفيد من نقل أسرع وأكثر كفاءة، ما يوفر الوقت
والمال على حد سواء، بحسب إفادة خبيرَين لـ"العربي الجديد".
الجدوى
الاقتصادية
في هذا الإطار،
يرى الخبير الاقتصادي، خلفان الطوقي، أن فكرة إنشاء خط شحن بحري جديد تمرّ حالياً
بمراحلها الأولية، ولن يُشرع في تنفيذها إلّا إذا ثبتت جدواها الاقتصادية، خاصة في
حال مشاركة عدد من دول الخليج، وليس بالضرورة جميعها، إلى جانب تركيا، على أن يمتد
لاحقاً نحو أوروبا، حسب ما أفاد لـ"العربي الجديد".
ويضيف الطوقي أنه
لا يمكن في الوقت الراهن تحديد أي جدوى اقتصادية لهذا المشروع دون وضوح تفاصيل
مشاركة دول الخليج فيه، لكنه يؤكد أنه في حال تحققت الجدوى منه فإن الفوائد ستكون
جمّة، إذ سيسهم الخط المقترح في تحريك الموانئ وتنشيطها، وستستفيد منه الموانئ
العُمانية خاصّة، ولا سيّما من خلال تعزيز تشابكها الداخلي وربطها بمنظومة لوجستية
متكاملة على المستوى العالمي.
كما أن الموقع
الجغرافي الاستراتيجي لعُمان يمنحها ميزة تنافسية كبيرة، إذ يمكن أن تصبح محوراً
رئيسياً ضمن خطوط الشحن الدولية، ما يقلل الكلف على التجار والمستهلكين على حد
سواء، ويفتح آفاقاً أوسع لزيادة الصادرات العُمانية إلى أسواق حيوية مثل الصين
والهند ودول آسيا الوسطى، حسب تقدير الطوقي.
كما يوضح الطوقي
أن هذا الخط البحري من شأنه أن يدعم مشروع الخط الحديدي المشترك بين دول الخليج
أيضاً، نظراً لارتباطه اللوجستي الوثيق به، ما سينتج عنه خلق فرص وظيفية جديدة في
قطاعات متعددة، وزيادة ملحوظة في التبادل التجاري بين سلطنة عُمان ودول الخليج من
جهة، وبين عُمان وتركيا والأسواق العالمية من جهة أخرى.
ويخلص الطوقي إلى
أن أي هذه المبادرة التجارية ستفتح حال تحقق جدواها الاقتصادية آفاقاً جديدة
للتجارة البينية بين الدول المشاركة، وسيكون أثرها إيجابياً على جميع دول المنطقة
دون استثناء، خاصة عُمان وتركيا.
تكاليف النقل في
عُمان
يشير رئيس
الجمعية الدولية لأبحاث السياسات الاقتصادية، رجب يورولماز، لـ"العربي
الجديد"، إلى أن إنشاء ممر بحري مباشر ومنتظم بين عُمان وتركيا يمكن أن يحقق
فوائد اقتصادية ملموسة للمواطنين في عُمان ودول مجلس التعاون الخليجي، من خلال خفض
تكاليف السلع وتحسين فرص العمل في الموانئ وتسهيل حركة التجارة، مشيراً إلى أن
الآلية الأساسية لهذا الأثر تكمن في تقليل عدد مراحل التفريغ والنقل، واختصار
أوقات العبور وزيادة موثوقية الجداول الزمنية، ما يؤدي إلى خفض تكاليف الخدمات
اللوجستية وعدم اليقين المرتبط بها.
ونتيجة لذلك،
تنخفض أسعار مجموعة محددة من السلع الاستهلاكية والسلع الوسيطة المستوردة، إلى
جانب نمو ملحوظ في فرص العمل في عمليات الموانئ والخدمات اللوجستية المرتبطة بها،
حسب يورولماز، لافتاً إلى أن معظم شحنات البضائع الحالية تمرّ عبر مراكز لوجستية
إقليمية مثل جبل علي أو بورسعيد، ما يضيف مراحل نقل إضافية ويستغرق من ثلاثة إلى
ستة أيام إضافية بسبب عمليات التفريغ والانتظار.
أما الخدمة
المباشرة أسبوعياً بين موانئ عُمانية مثل صلالة وصحار والدقم، وموانئ تركية مثل
مرسين وإزمير وجمليك وأمبارلي، فتقلل زمن النقل بين الموانئ بنسبة 20–40%، فمثلاً،
تستغرق الرحلة البحرية بين صلالة ومرسين نحو 6–7 أيام، بينما تستغرق الطرق الحالية
9–12 يوماً بعد احتساب عمليات التفريغ، حسب يورولماز.
ويضيف أن تكلفة
التسليم الفعلية ستنخفض أيضاً، إذ تتيح السفن المباشرة بسعة 1200–1800 حاوية تجنّب
تكلفة رفع الحاويات في محطات وسيطة ورسوم النقل المحلي، ما يوفر نحو 90–150 دولاراً
لكل حاوية.
ويعادل ذلك خفضاً
في تكلفة السلع يتراوح بين 1.8–6% للسلع منخفضة القيمة، و0.5–1.5% للسلع مرتفعة
القيمة، قبل احتساب فوائد تقليل الهدر أو التلف، وعند دمج هذه العوامل يرى
يورولماز إمكانية تقدير انخفاض متوسط في تكلفة التسليم بنسبة 1–2% لمجموعة تمثيلية
من السلع.
غير أنّ يورولماز
يشير إلى أن المستهلكين لا يحصلون على كامل هذه الوفورات فوراً، بل تنتقل نسبة
50–70% منها إلى أسعار البيع خلال 6–12 شهراً، ما يعني انخفاضاً في أسعار السلع
المتأثرة مباشرة بنسبة 0.5–1.4%، وهو انخفاض ذو أهمية خاصة للأسر والصناعات
الصغيرة، إذ يقترن بتحسين توفر السلع وتقليل حالات النفاد من المخزون.
ومن ناحية
التوظيف، يوضح يورولماز أن كل ألف حاوية إضافية سنوياً تولد وظيفة مباشرة واحدة في
الموانئ، مع إضافة وظيفتَين إلى ثلاث وظائف غير مباشرة في قطاعات مثل النقل البري
والتخزين والصيانة والشحن، وبافتراض أن الممر الملاحي الجديد يحقق تدفقاً إضافياً
يتراوح بين 40 و60 ألف حاوية سنوياً خلال سنتين إلى ثلاث سنوات، فإن الأثر
التوظيفي سيكون كالتالي: 40–90 وظيفة مباشرة و80–200 وظيفة غير مباشرة، ليصل
الإجمالي إلى 120–290 وظيفة جديدة.