العدد 1689 /12-11-2025

بعد سيطرة قوات "الدعم السريع" على مدينة الفاشر مركز ولاية شمال دارفور غربي السودان، أواخر الشهر الماضي، اتجه مدار المعارك بينها وبين الجيش خلال الأسبوع الأخير ليتركز على 5 محاور ملتهبة بولايات شمال كردفان وغرب كردفان وجنوب كردفان وسط البلاد وجنوبها. ومنذ 26 أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، تستولي قوات "الدعم السريع" على مدينة الفاشر، وارتكبت مجازر بحق مدنيين، وسط تحذيرات من تكريس تقسيم جغرافي للبلاد.

وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أقرّ قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" بحدوث "تجاوزات" من قواته في الفاشر، مدّعيًا تشكيل لجان تحقيق. ومن أصل 18 ولاية في عموم البلاد، تسيطر قوات "الدعم السريع" حاليًا على جميع ولايات إقليم دارفور الخمس غربًا، عدا بعض الأجزاء الشمالية من ولاية شمال دارفور، التي لا تزال في قبضة الجيش، الذي يسيطر على معظم مناطق الولايات الـ13 المتبقية بالجنوب والشمال والشرق والوسط، بينها العاصمة الخرطوم.

وباستخدام الطائرات المسيّرة والقصف المدفعي وزيادة الحشود العسكرية، تركزت المواجهات بين الجيش وقوات "الدعم السريع" خلال الأسبوع الأخير على محاور "الأُبيِّض" و"بارا" بولاية شمال كردفان (وسط)، و"بابنوسة" بولاية غرب كردفان (غرب)، و"الدلنج" و"كادوقلي" بولاية جنوب كردفان (جنوب). وتأخذ ولايات كردفان الثلاث أهميتها العسكرية من قرب حدودها الغربية من إقليم دارفور، الذي تستولي قوات "الدعم السريع" على جميع مدنه المركزية.

شمال كردفان

في ولاية شمال كردفان، تركّزت المواجهات العسكرية حول مدينة الأُبيِّض، مركز الولاية، ومدينة بارا التي سيطرت عليها قوات "الدعم السريع" في أكتوبر الماضي. وفي 8 و9 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أفادت مصادر عسكرية لـ"الأناضول" بأن الجيش السوداني شنّ غارات جوية في محور بارا استهدفت مراكز تجمّع قوات "الدعم السريع". بينما أفاد شهود عيان لـ"الأناضول" بأن "الدعم السريع" استهدفت مناطق وقرى شمال مدينة بارا.

جنوب كردفان

ومنذ الاستيلاء على الفاشر، تشهد ولاية جنوب كردفان حشودًا عسكرية ومعارك حول مدينة الدلنج، ثاني أكبر مدن الولاية، إلى جانب كادوقلي عاصمتها. وفي 7 نوفمبر، قصفت قوات "الدعم السريع" وقوات "الحركة الشعبية – شمال" الحليفة لها، بقيادة عبد العزيز الحلو، مدينة الدلنج بالمدافع، ما أسفر عن قتلى وجرحى، وفق شهود عيان لـ"الأناضول".

وذكر الشهود أن قوات الجيش ردّت وقتها على ذلك بقصفٍ مدفعي استهدف تمركز هذه القوات في الاتجاه الشمالي الشرقي للمدينة، وأشاروا إلى أن قوات "الدعم السريع" زادت من تمركزها في الاتجاه الشمالي والشرقي والغربي للمدينة. وتتعرض الدلنج لحصار خانق، حيث تسيطر قوات "الدعم السريع" على المناطق الشمالية والشرقية حول المدينة، بينما توجد قوات "الحركة الشعبية" في الجهة الغربية والجنوبية.

غرب كردفان

وخلال اليومين الماضيين، عادت مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان إلى الواجهة، مع استمرار قوات "الدعم السريع" في قصفها بالمدافع والهجوم عليها بغرض السيطرة عليها، بينما يدافع الجيش عن المدينة بضراوة من خلال فرقته "22 مشاة" الموجودة فيها، وفق مصادر محلية لـ"الأناضول". وأعلنت قوات "الدعم السريع" في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، عبر مقاطع فيديو نشرت على قناتها في "تليغرام"، عن وصول حشود ضخمة من قواتها إلى مدينة بابنوسة في محاولة لاقتحامها. كما بثّت مقاطع فيديو على "تليغرام" دعت خلالها قادة الجيش في مناطق عدة بكردفان إلى "الاستسلام"، خاصة في بابنوسة.

وفي 9 نوفمبر، قال الجيش إن "الفرقة 22 مشاة" ببابنوسة "تصدّت لهجوم مكثّف شنّته مليشيا الدعم السريع عبر المسيّرات والقصف المدفعي المكثّف، وقامت قواتنا بالتعامل مع الاستهداف بكل احترافية". بينما شهدت المدينة نزوح نحو 177 ألف شخص جرّاء القصف المدفعي لقوات "الدعم السريع" على المدينة المحاصرة منذ أكثر من عامين، وفق تقديرات "لجان غرفة طوارئ بابنوسة" (لجنة إغاثية).

تحوّل استراتيجي

ويرى مراقبون أن الجيش السوداني يسعى حاليًا إلى تحصين مناطق شمال كردفان كخط دفاع استراتيجي عن ولايتي الجزيرة والخرطوم (وسط)، ومن ثم التمدد جنوبًا إلى ولاية جنوب كردفان، والزحف غربًا باتجاه دارفور. في المقابل، تعمل قوات "الدعم السريع" على تثبيت مواقعها غربًا في دارفور، وشنّ هجمات متواصلة في كردفان، وتوسيع مساحتها على الأرض.

الخبير العسكري معتصم عبد القادر قال لـ"الأناضول" إن الجيش السوداني موجود في كل ولايات كردفان الثلاث، وكذلك في المناطق الشمالية الغربية لولاية شمال دارفور. وتبعًا لذلك، "فالمعارك في كردفان مستمرة، وهناك تقدّم وستستمر، كما قال رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، لتشمل كل الأراضي السودانية"، أضاف عبد القادر. وأشار إلى أن الجيش "يستخدم الطيران في هذه المرحلة، وهذا طبيعي في بوادر استخدام القوة العسكرية، ثم تتبعه المدفعية، ومن ثم القوات البرية".

وتوقّع الخبير العسكري أن "يتوالى تقدّم الجيش في كردفان حتى استعادة السيطرة على دارفور". في المقابل، تكرّر قوات "الدعم السريع" في بياناتها أنها "ستقود المعركة الثانية لتحرير كل السودان بعد تحرير كردفان"، وأن معركتها المقبلة بعد كردفان "ستكون في ولايات الشمال والوسط وصولًا حتى بورتسودان شرقًا، مقرّ الحكومة المؤقتة". ولم تفلح جهود إقليمية ودولية حتى الآن في وقف الحرب الدامية بين الجيش و"الدعم السريع"، المندلعة منذ إبريل/ نيسان 2023، مخلفةً مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 13 مليون شخص.